فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

النحويون يقولون: كلمة {لَوْ} وضعت للدلالة على انتفاء الشيء لأجل انتفاء غيره، فإذا قلت: لو جئتني لأكرمتك، أفاد أنه ما حصل المجيء، وما حصل الإكرام.
ومن الفقهاء من قال: إنه لا يفيد إلا الاستلزام، فأما الانتفاء لأجل انتفاء الغير، فلا يفيده هذا اللفظ والدليل عليه الآية والخبر، أما الآية، فهي هذه الآية، وتقريره: أن كلمة {لَوْ} لو أفادت ما ذكروه لكان قوله: {وَلَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ خَيْرًا لاسْمَعَهُمْ} يقتضي أنه تعالى ما علم فيهم خيرًا وما أسمعهم.
ثم قال: {وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ} فيكون معناه: أنه ما أسمعهم وأنهم ما تولوا لكن عدم التولي خير من الخيرات، فأول الكلام يقتضي نفي الخير، وآخره يقتضي حصول الخير، وذلك متناقض.
فثبت أن القول بأن كلمة {لَوْ} تفيد انتفاء الشيء لانتفاء غيره يوجب هذا التناقض، فوجب أن لا يصار إليه.
وأما الخبر فقوله عليه السلام: «نعم الرجل صهيب لو لم يخف الله لم يعصه» فلو كانت لفظة لو تفيد ما ذكروه لصار المعنى أنه خاف الله وعصاه، وذلك متناقض.
فثبت أن كلمة {لَوْ} لا تفيد انتفاء الشيء لانتفاء غيره، وإنما تفيد مجرد الاستلزام.
واعلم أن هذا الدليل أحسن إلا أنه على خلاف قول جمهور الأدباء.
المسألة الثالثة:
إن معلومات الله تعالى على أربعة أقسام: أحدها: جملة الموجودات.
والثاني: جملة المعدومات.
والثالث: أن كل واحد من الموجودات لو كان معدومًا فكيف يكون حاله.
الرابع: أن كل واحد من المعدومات لو كان موجودًا كيف يكون حاله، والقسمان الأولان علم بالواقع، والقسمان الثانيان عم بالمقدر الذي هو غير واقع، فقوله: {وَلَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ خَيْرًا لاسْمَعَهُمْ} من القسم الثاني وهو العلم بالمقدرات، وليس من أقسام العلم بالواقعات ونظيره قوله تعالى حكاية عن المنافقين: {لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ} وقال تعالى: {لَئِنْ أُخْرِجُواْ لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُواْ لاَ يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الادبار} [الحشر: 11، 12] فعلم تعالى في المعدوم أنه لو كان موجودًا كيف يكون حاله، وأيضًا قوله: {وَلَوْ رُدُّواْ لعادوا لِمَا نُهُواْ عَنْهُ} [الأنعام: 28] فأخبر عن المعدوم أنه لو كان موجودًا كيف يكون حاله. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {وَلَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ خَيْرًا لاسْمَعَهُمْ}
يقول: لو علم الله تعالى فيهم صدقًا، لأعطاهم الإيمان وأكرمهم به.
{وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ}، يعني لو أكرمهم بالإسلام، {لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ}؛ يعني أعرضوا عن الإيمان؛ بما سبق في علم الله تعالى منهم أنهم لا يؤمنون.
وقال الزجاج: معناه ولو علم الله فيهم خيرًا، لأسمعهم الجواب عن كل ما يسألون عنه.
{وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ}، يعني لو بيَّن لهم كل ما يختلج في نفوسهم، لأعرضوا عنه لمعاندتهم. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَلَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ خَيْرًا}
صدقًا وإسلامًا {لأَسْمَعَهُمْ} لرزقهم الفهم والعلم بالقرآن {وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ} عن القرآن {وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ} عن الإيمان بالقرآن لعلم الله فيهم وحكمه عليهم بالكفر. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَلَو عَلِمَ اللَّهُ فِيهِم خَيْرًا}
يحتمل وجهين:
أحدهما: اهتداء.
الثاني: إصغاء.
{لأَسْمَعَهُمْ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدهما: لأسمعهم الحجج والمواعظ سماعَ تفهيم وتعليم، قاله ابن جريج وابن زيد.
الثاني: لأسمعهم كلام الذين طلبوا إحياءهم من قصي بن كلاب وغيره يشهدون بنبوتك قاله بعض المتأخرين.
والثالث: لأسمعهم جواب كل ما يسألون عنه، قاله الزجاج.
{وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَهُم مُّعْرِضُونَ} يحتمل وجهين:
أحدهما: ولو أسمعهم الحجج والمواعظ لأعرضوا عن الإصغاء والتفهم.
والثاني: ولو أجابهم إلى ما اقترحوه لأعرضوا عن التصديق. اهـ.

.قال ابن عطية:

ثم أخبر تعالى بأن عدم سمعهم وهداهم إنما هو بما علمه الله منهم وسبق من قضائه عليهم فخرج ذلك في عبارة بليغة في ذمهم في قوله: {ولو علم الله فيهم خيرًا لأسمعهم} والمراد لأسمعهم إسماع تفهيم وهدى، ثم ابتدأ عز وجل الخبر عنهم بما هم عليه من حتمه عليهم بالكفر فقال: {ولو أسمعهم} أي ولو أفهمهم {لتولوا} بحكم القضاء السابق فيهم ولأعرضوا عما تبين لهم من الهدى، وحكى الطبري عن فرقة أنها قالت: المعنيّ بهذه الآية المنافقون، وضعفه الطبري وكذلك هو ضعيف. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ولو علم الله فيهم خيرًا}
فيه أربعة أقوال:
أحدها: ولو علم فيهم صدقًا وإسلامًا.
والثاني: لو علم فيهم خيرًا في سابق القضاء.
والثالث: لو علم أنهم يَصْلُحون.
والرابع: لو علم أنهم يَصْغَوْنَ.
وفي قوله: {لأسمعهم} ثلاثة أقوال:
أحدها: لأسمعهم جواب كلِّ ما يسألون عنه، قاله الزجاج.
والثاني: لرزقهم الفهم، قاله أبو سليمان الدمشقي.
والثالث: لأسمعهم كلام الموتى يَشهدون بنبوَّتك، حكاه الماوردي.
وفي قوله: {وهم معرضون} قولان:
أحدهما: مكذِّبون، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: وهم معرضون عما أسمعهم لمعاندتهم، قاله الزجاج. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَلَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ} قيل: الحجج والبراهين؛ إسماع تَفَهُّم.
ولكن سبق علمه بشقاوتهم {وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ} أي لو أفهمهم لما آمنوا بعد علمه الأزلِيّ بكفرهم.
وقيل المعنى لأسمعهم كلام الموتى الذين طلبوا إحياءهم؛ لأنهم طلبوا إحياء قُصَيّ بن كلاب وغيره ليشهدوا بنبوّة محمد صلى الله عليه وسلم: الزجاج: لأسمعهم جواب كل ما سألوا عنه.
{وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ} إذ سبق في علمه أنهم لا يؤمنون. اهـ.

.قال الخازن:

{ولو علم الله فيهم خيرًا لأسمعهم} يعني سماع تفهم وانتفاع وقبول للحق ومعنى ولو علم الله.
قال الإمام فخر الدين: إن كان ما كان حاصلًا فيجب أن يعلمه الله فعدم علم الله بوجوده من لوازم عدمه فلا جرم حسن التعبير عن عدمه في نفسه بعدم علم الله بوجوده وتقديره الكلام لو حصل فيهم خير لأسمعهم الله الحجج والمواعظ سماع تعليم وتفهم {ولو أسمعهم} يعني بعد أن علم أنه لا خير فيهم لم ينتفعوا بما يسمعون من المواعظ والدلائل لقوله تعالى: {لتولوا وهم معرضون} يعني لتولوا عن سماع الحق وهم معرضون عنه لعنادهم وجحودهم الحق بعد ظهوره وقيل: إنهم كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: أحي لنا قصيًا فإنه كان شيخًا مباركًا حتى يشهد لك بالنبوة فنؤمن لك فقال الله سبحانه وتعالى: ولو أحيا لهم قصيًا وسمعوا كلامه لتولوا عنه وهم معرضون. اهـ.

.قال أبو حيان:

{ولو علم الله فيهم خيرًا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون}
قال ابن عطية: أخبر تعالى بأنّ عدم سماعهم وهداهم إنما هو بما علمه الله منهم وسبق من قضائه عليهم فخرج ذلك في عبارة بليغة في ذمّهم {ولو علم الله فيهم خيرًا لأسمعهم} والمراد لأسمعهم إسماع تفهم وهدى ثم ابتدأ عزّ وجل الخبر عنهم بما هو عليه من ختمه عليهم بالكفر فقال: {ولو أسمعهم} أي ولو فهمهم {لتولوا وهم معرضون} بالقضاء السابق فيهم ولأعرضوا عما تبيّن لهم من الهدي، وقال الزمخشري: ولو علم الله في هؤلاء الصمّ البكم خيرًا أي انتفاعًا باللطف لأسمعهم اللطف بهم حتى سمعوا سماع المصدقين ثم قال: {ولو أسمعهم لتولّوا} يعني ولو لطف بهم لما نفعهم اللطف فلذلك منعهم ألطافه أي ولو لطف أي ولو لطف بهم فصدّقوا لارتدّوا بعد ذلك وكذبوا ولم يستقيموا، وقال الزجاج: {لأسمعهم} جواب كلما سألوا، وحكى ابن الجوزي: {لأسمعهم} كلام الموتى الذين طلبوا إحياءهم لأنهم طلبوا إحياء قُصيّ بن كلاب وغيره ليشهدوا بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال أبو عبد الله الرازي: التعبير عن عدمه في نفسه بعدم علم الله بوجوده وتقدير الكلام لو حصل فيهم خير {لأسمعهم} الله الحجج والمواعظ سماع تعليم مفهم {ولو أسمعهم} إذ علم أنه لا خير فيهم لم ينتفعوا بها وتولوا وهم معرضون، وقال أيضًا: معلومات الله على أربعة أقسام.
أحدها: جملة الموجودات، الثاني: جملة المعدومات، الثالث: إن كان كل واحد من الموجودات لو كان معدومًا فكيف حاله، الرابع: إن كان كلّ واحد من المعدومات لو كان موجودًا فكيف حاله فالقسمان الأولان علم بالواقع والقسمان الثانيان علم بالمقدور الذي هو غير واقع فقوله: {ولو علم الله فيهم خيرًا لأسمعهم} من القسم الثاني وهو العلم بالمقدورات وليس من أقسام العلم بالواقعات، ونظيره قوله تعال حكاية عن المنافقين {لئن أخرجتم لنخرجنّ معكم وإن قوتلتم لننصرنكم} فقال تعالى: {لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولنّ الأدبار ثم لا ينصرون} فعلم الله تعالى في المعدوم أنه لو كان موجودًا كيف يكون حاله وأيضًا قوله: {ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه} أخبر عن المعدوم أنه لو كان موجودًا كيف يكون حاله انتهى.
وأقول: ظاهر هاتين الملازمتين يحتاج إلى تأويل لأنه أخبر أنه كان يقع إسماع منه لهم على تقدير علمه خيرًا فيهم ثم أخبر إنه كان يقع توليهم على تقدير إسماعهم إياهم فأنتج أنه كان يقع توليهم على تقدير علمه تعالى خيرًا فيهم وذلك بحرف الواسطة لأن المرتب على شيء يكون مرتّبًا على ما رتب عليه ذلك الشيء وهذا لا يكون لأنه لا يقع التولّي على تقدير علمه فيهم خيرًا ويصير الكلام في الجملتين في تقدير كلام واحد فيكون التقدير ولو علم الله فيهم خيرًا فأسمعهم لتولّوا ومعلوم أنه لو علم فيهم خيرًا ما تولّوا. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَلَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ خَيْرًا} شيئًا من جنس الخيرِ الذي من جملته صرفُ قواهم إلى تحرّي الحقِّ واتباعِ الهدى {لاسْمَعَهُمْ} سماعَ تفهمٍ وتدبر ولوقفوا على حقّية الرسولِ عليه الصلاة والسلام وأطاعوه وآمنوا به ولكن لم يعلم فيهم شيئًا من ذلك لخلوّهم عنه بالمرة فلم يُسمِعْهم كذلك لخلوه عن الفائدة وخروجِه عن الحكمة وإليه أشير بقوله تعالى: {وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ} أي لو أسمعهم سماعَ تفهّمٍ وهم على هذه الحالة العارية من الخير بالكلية لتولّوا عما سمِعوه من الحق ولم ينتفعوا به قطُّ أو ارتدوا بعد ما صدقوه وصاروا كأن لم يسمعوه أصلًا وقوله تعالى: {وَهُم مُّعْرِضُونَ} إما حالٌ من ضمير تولوا أي لتولوا على أدبارهم والحالُ أنهم معرضون عما سمعوه بقلوبهم، وإما اعتراضٌ تذييلىٌّ أي وهم قومٌ عادتُهم الإعراضُ وقيل: كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أحّيِ قُصَيًّا فإنه كان شيخًا مباركًا حتى يشهدَ لك ونؤمنَ بك فالمعنى ولو أسمعهم كلام قصيَ إلخ وقيل: هم بنو عبد الدار بن قصي، لم يُسلم منهم إلا مصعبُ بنُ عميرٍ وسويدُ بن حرْملة كانوا يقولون: نحن صمٌّ بكمٌ عميٌ عما جاء به محمدٌ لا نسمعه ولا نجيبه قاتلهم الله تعالى فقُتلوا جميعًا بأحد وكانوا أصحابَ اللواءِ وعن ابن جريج أنهم المنافقون وعن الحسن رضي الله عنه أنهم أهلُ الكتاب. اهـ.